ترامب أم هاريس- خيارات فلسطين الصعبة وتداعياتها على المنطقة

المؤلف: عريب الرنتاوي10.03.2025
ترامب أم هاريس- خيارات فلسطين الصعبة وتداعياتها على المنطقة

في خضم التنافس المحتدم على سُدة الحكم في البيت الأبيض، وقُبيل ساعات من انطلاق ماراثون الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني، يصبح من العبث التكهن بمن ستؤول إليه نتيجة السباق الرئاسي. فمع دنو أرقام استطلاعات الرأي وتلاحمها، يبدو المرشحان يسيران جنبًا إلى جنب، وكأنهما يقتحمان معًا أبواب "المكتب البيضاوي".

الأهم من ذلك، ونحن على أعتاب هذا الحدث الجلل، هو استشراف الخطوط العريضة للتداعيات المحتملة لفوز أي من كامالا هاريس أو دونالد ترامب على واقع الصراعات والأزمات المشتعلة في منطقتنا. هل تحمل مواقف الحزبين تجاه قضايا الإقليم المتأجج اختلافات جوهرية تستحق التمعن؟ وما هو السيناريو الأكثر إيلامًا للفلسطينيين في غزة، بل وللقضية الفلسطينية برمتها ومستقبل المشروع الوطني؟

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2

ترامب يوقع أمرا تنفيذيا لإلغاء وزارة التعليم

list 2 of 2

"مبعوث يسوع".. هل سيُدخل ترامب أميركا عصر الهيمنة المسيحية؟

end of list

على الرغم من أن "سؤال الفوارق" قد بهتت بريقه السياسي، في ظل الأداء المتذبذب لإدارة بايدن/ هاريس خلال السنوات الأربع الماضية، وتحديدًا خلال "عام الطوفان" وما تلاه، وتقاعس الإدارة عن تصحيح أخطاء ترامب الفادحة تجاه الفلسطينيين والعرب، وانحيازها السافر الذي وصل إلى حد التواطؤ في جرائم الحرب التي اقترفتها حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، إلا أن السؤال لا يزال مطروحًا، ويحمل في طياته أهمية سياسية تستوجب أخذها في الحسبان.

ترامب إن عاد!

نحن هنا لا نتحدث عن مرشح مجهول، بل عن شخصية اعتلت سُدة الرئاسة لأربع سنوات، عُرفت بصراحتها المفرطة، وإفصاحها عن مكنونات صدرها دون مواربة، وبتبسيطها الساذج للقضايا المعقدة، وإيمانها بوجود حلول سحرية جاهزة لكل معضلة.

لقد أغدق ترامب على إسرائيل في ولايته الأولى سلسلة من المكافآت القيّمة: اعترافه بـ"القدس الموحدة" عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، ومصادقته على ضم هضبة الجولان السورية المحتلة إلى السيادة الإسرائيلية، وإطلاقه لمشروع "صفقة القرن" الذي منح حكومة نتنياهو ما يقرب من ثلث مساحة الضفة الغربية.

ناهيكم عن إغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، والقنصلية الأميركية في القدس الشرقية، بعد قرن ونصف القرن من افتتاحها، بالإضافة إلى الحملة "المكارثية" الشرسة ضد منظمات الأمم المتحدة، وعلى رأسها "الأونروا" ومنظمات حقوق الإنسان.

يمكن القول دون أدنى مبالغة إن ترامب قد نسف النموذج الذي حكم مواقف وسياسات الإدارات الأميركية المتعاقبة، جمهورية كانت أم ديمقراطية، تجاه القضية الفلسطينية، وأرسى لنفسه نموذجًا مختلفًا تمامًا. لقد أطاح بالإطار الإقليمي التقليدي المحيط بها، ولا سيما الدورين الأردني والمصري، واستبدله بإطار إقليمي آخر، يكاد ينحصر في الدورين السعودي والإماراتي، الأمر الذي اعتبرته عمان، على أقل تقدير، تهميشًا للدور الأردني في أحد أهم مجالاته الحيوية.

ورأت فيه نخب سياسية أردنية تجسيدًا لنهج أميركي، تحت قيادة ترامب، لا يتهدد المصالح والحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني فحسب، بل ويبدي تسامحًا أكبر حيال التضحية بمصالح الأردن وحساباته وحساسياته، في إطار مشروعه للحل النهائي للقضية الفلسطينية.

وثمة تساؤل يتردد صداه في الأوساط السياسية والدبلوماسية والإعلامية: ما الذي يمكن لترامب أن يقدمه لإسرائيل في ولايته الثانية؟ خاصة بعد التصريح المثير للقلق الذي أدلى به قبل أسابيع، حين رأى إسرائيل "صغيرة جدًا" على خريطة العالم، وأن الوقت قد حان للتفكير في توسيعها.

حزم وسخاء

أعتقد أن ترامب سيكون أكثر حزمًا وجدية في وقف الحرب، وفي أسرع وقت ممكن، فتلك هي طبيعته، وتلك هي طريقته في التعامل مع الأزمات واللاعبين والقادة، سواء كانوا خصومًا أو حلفاء.

ولكنه في المقابل سيكون أكثر "سخاءً" في منح المزيد من الجوائز الترضية لحكومة نتنياهو واليمين الأكثر تطرفًا. وإن لم يكن ذلك مقابل المسارعة إلى وقف الحرب، فمن باب التعبير عن وحدة المصير بين اليمين الأميركي الذي يمثله وتجسده إدارته، واليمين الفاشي المتفشي في الحكومة والمعارضة في تل أبيب.

أعتقد أيضًا أن ترامب سينهب من الضفة الغربية بشكل أساسي لتلبية الشهية التوسعية لليمين الديني والقومي في إسرائيل، ولا أستبعد أن يمنح حكومة نتنياهو الضوء الأخضر لضم المنطقة (ج) من الضفة الغربية بأكملها، وحشر سكانها في منطقتي (أ و ب)، وفي إطار "صفقة القرن 2"، حتى وإن أدى ذلك إلى وأد أي فرصة لقيام كيان فلسطيني قابل للحياة، فضلًا عن دولة فلسطينية مستقلة.

سيناريوهات جديدة

والأرجح أن "صفقة القرن 2" ستعيد الاعتبار للدورين الأردني والمصري، على عكس حالة التجاهل والتهميش التي عاناها هذان الدوران في "صفقة القرن 1"، ولكن من بوابة مختلفة هذه المرة، بوابة تلقي مخرجات "الحل النهائي" الإسرائيلي – الأميركي للقضية الفلسطينية.

فالأردن، في تصور ترامب، قد يكون "طوق النجاة" للكيان الفلسطيني المُقام على "بقايا الضفة الغربية"، من خلال صيغة فدرالية أو كونفدرالية، ومصر ستظل بوابة الحل الإسرائيلي لغزة، في حال نجحت إعادة هندسة القطاع، ودائمًا لمساعدة إسرائيل في التخلص من "فائض الديمغرافيا" الفلسطينية.

سيكون من الممكن الادعاء بأن دولة فلسطينية قد قامت على التراب الوطني أو ما تبقى منه، وأنها ككيان "سيّد" و"مستقل" قد قررت الدخول في نوع من "الوحدة أو الاتحاد" مع الأردن الشقيق. والأرجح أن مشروعًا كهذا سيحظى بدعم من أوساط عربية عدة، بل وقد تسارع دول مقتدرة إلى رفده بالمال والإعمار، ليصبح "سنغافورة" الشرق الأوسط، وهو تعبير استخدمه دونالد ترامب في "دردشة" حول مستقبل قطاع غزة.

خريطة اللاعبين

المرحبون بعودة ترامب في الإقليم والعالم، لن يسمحوا لـ"صفقة القرن 2" بتعكير صفو العلاقة مع إدارة جمهورية في ظاهرها، "ترامبية" في جوهرها. فالترامبية هي التعبير الشعبوي الأكثر ابتذالًا لتيارات اليمين المتطرف الصاعد في الغرب، ويشمل ذلك دولًا عربية عدة، مثلما يشمل لاعبين دوليين كالاتحاد الروسي، الذي يعطي أولوية قصوى للخروج من "مستنقع أوكرانيا" ووقف الحرب على أراضيها.

وقد يذهب نظير ذلك إلى تسويات و"مقايضات" بعيدة المدى، من ضمنها تسهيل مهمة ترامب في بعض ملفات الشرق الأوسط الأكثر تعقيدًا. تطور كهذا (عودة ترامب) قد يثير قلق الاتحاد الأوروبي ودوله الفاعلة، لما يحمله من تداعيات على العلاقة بين ضفتي الأطلسي، ومستقبل "الناتو"، والانقسامات حول عدد من العناوين الرئيسة التي تتصدر الأجندة العالمية، مثل قضية التغير المناخي على سبيل المثال لا الحصر.

السيئ والأسوأ

في المفاضلة بين خيارين أحلاهما مرّ، أو بين السيئ والأسوأ، تبدو كامالا هاريس الخيار الأفضل لدى العديد من الأوساط الفلسطينية والعربية (السلطة، الأردن، مصر وغيرها)، كما أنها الخيار الأنسب لأطراف إقليمية مثل إيران، إذ تعطي الأولوية للدبلوماسية على "قرع طبول الحرب" في كل ما يتعلق ببرنامج إيران النووي.

في المقابل، ستستقبل موسكو بقلق بالغ تطورًا كهذا، فالرئيسة هاريس، امتدادًا لإدارة أوباما، ستواصل حشد التأييد لأوكرانيا، لإلحاق الهزيمة بروسيا، واستتباعًا بالصين، التهديد الأكبر للنفوذ المهيمن للولايات المتحدة على الاقتصاد والنظام الدوليين.

إستراتيجيات مستقبلية

تتقلص الخيارات وتضيق هوامش المناورة أمام الفلسطينيين، وهم يوازنون بين خيارين أحلاهما مرّ، بين إدارة راحلة قدمت لإسرائيل في عشرة أشهر من الحرب ما لم تحصل عليه من إدارات ديمقراطية وجمهورية في عشر سنوات، وإدارة أخرى تفوح منها رائحة صفقة القرن القديمة وأخرى جديدة، تنذران بتجريدهم من أرضهم وحقوقهم ومقدساتهم، الأمر الذي يحتم عليهم تطوير إستراتيجية وطنية جديدة تنفض عن نفسها وهم الحلول السياسية القريبة، وتؤسس لإدامة هذا الصراع، ربما لعقود وأجيال قادمة.

إستراتيجية تبني على ما تحقق من تعزيز لمكانة فلسطين على جدول أعمال العالم، بفضل "الطوفان"... إستراتيجية تلحظ تعزيز عرى التحالف مع دول وحركات شبابية وشعبية عالمية تحررت من "السردية الإسرائيلية".

إستراتيجية تبدأ بترتيب البيت الفلسطيني، بعيدًا عن المشاريع الهزيلة لحوار ومصالحة لم تفضِ إلى أية نتيجة ملموسة. إستراتيجية محورها "الصمود والمقاومة"، وتعزيز جهاز المناعة المكتسبة للمجتمع الفلسطيني الرازح تحت احتلالات متعاقبة، قديمة وجديدة، من قبل العدو ذاته... إستراتيجية تعيد بعث وتجديد الحركة الوطنية الفلسطينية واسترداد منظمة التحرير.

إستراتيجية تعيد الاعتبار لدور الشعوب العربية في الدعم والإسناد ومقاومة التطبيع وتعزيز المقاطعة، باعتبارها معركة دفاع هذه الشعوب عن مستقبلها وحريتها وكرامتها، وليست تعبيرًا موسميًا عن التضامن مع شعب عربي شقيق يرزح تحت نير احتلال عنصري استئصالي، لا يتورع عن شنّ حروب التطويق والتطهير والإبادة ضد شعوبنا العربية، كما حصل ويحصل في غزة والضفة ولبنان.

إستراتيجية تنتقل بكفاح شعب فلسطين من أجل الحرية والاستقلال من الاعتمادية على الغير إلى الاعتماد على الذات والأصدقاء المخلصين.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة